الثلاثاء، 15 أبريل 2008

الجزء الأول من رواية " ملاك الفرصة الأخيرة "

فلسطين.

هكذا نطق ملاك الفرصة الأخيرة وهو يلف في الأرض ويمسك رأسه بجناحيه.

هذه إذن المعرفة ؟ أن تعرف الاسم الحقيقي لشخص ما ،تعرف الطريق إلي حياته وخصائصه الروحية،فمعرفة الأسماء تعني اكتساب الإدراك.

قديما قالوا إذا كان المرء مهتما بالعثور علي الأسماء فهو علي الدرب الصحيح. ليس بمقدورك العودة مرة أخري إلي ما كنت عليه قبل معرفتك الجديدة.

فلسطين. هذه إذن المعرفة ؟

أو المعرفة إذن هي تلك النقطة التي نريد دائما أن نلتقي عندها.

بكل تلك المعارف القاسية والملعونة أيضا عن أنفسنا.

عندها فقط نشعر أن شيئا ما دخلنا قد تغير بتلك المعرفة الجديدة.

لكن شيئا ما داخلنا أيضا يقول لنا بمجرد أن نمسك بالمعرفة :

احتفظ بي داخلك.

فقط احتفظ بي ولا تلق بي لغيرك. فأنا المعرفة المحقة.

ولسوف ترى ما أفعله من أجلك.

لكن الاحتفاظ بالمعرفة في الوعي شيء صعب حينما تكون هناك شراك وفخاخ علي طول الطريق.إنها الثوابت مثل مد البحر وجزره.

بينما تلتقي الفكرة تلو الفكرة في رأس الراوي، كان الملاك يردد اسم فلسطين كثيرا وهو يرى الفتاة ولا يراها . إنه هنا وهناك في ذات الوقت .

بينما تبدأ حركة عربة الديزل الذي يغادر الرصيف في مدينة ساحلية، يهبط طفل من بطن أمه فتتلقفه الملائكة في مدينة القدس .

كيف تكون هناك؟ وهنا في نفس الزمن؟

بينما الملاك يتقلب ذات اليمين وذات اليسار ممسكا في اسم الرجل الذي أضاعه ولا يحس بأي شيء يحدث أمام عيونه، وكأنه صار أعمى وأطرش وأخرس. راحت الفتاة تقول وهي تهز جناحيه بقسوة في حضرة الرب وملاك الشر وتدافع عنه في المحكمة التي أقامها الرب، وغاب عنها ملاك الفرصة رغم حضوره بجسده قائلة :

ـ لولاي ما حدث ذلك يا رب.

كانت تقول ولا يسمع.

ـ ..........................

ـ نعم. لقد أرسلت بحقد وخبث كي أساعد في موت فلسطين أيها الملاك ويمكن لي أن اكشف الجريمة كلها وإبراء ساحتك أمام الله .

ـ.....................

ـ نعم، نعم ، لقد غُرر بي من قبل الملاك يهود أيها الإله،وأشهد أن الخديعة كانت من خلف عيون ملاك الفرصة الأخيرة هذا الغائب عن وعيه.

ـ ...................................

ـ لا أُنكر ما قمت به ، لكنني ما كنت لأفعل ذلك لولا أني بالفعل أحببته.

ـ...............................

ـ لا .. لا أتملص من جريمة عظيمة ، أنت يا رب أكبر من الادعاءات التي سمعتها، باستطاعتي أن أقول لك لولا وجود يهوذا ما صلب الابن كمشيئة لك, لكن ذلك لن يحدث، أنا تماما أكبر من تلك المهاترات التي قالها يهودا أحد الملائكة العاملين لدى إبليس كما تعلم يا رب.

ـ ...........................

ـ نعم، كاد الحب الذي ملك علي لبي ولا أنكر أني سعيت إليه بكل الطرق الممنوعة أن يتدمر في الرحلة الخبيثة كما يقول هذا، فمنذ اتحدت مصلحتي مع مصلحة هذا الملاك يهود ـ أو ربما شبه لي أن هناك مصلحة بيننا ـ وحياتي صارت نارا مستعرة،

ـ .......................

ـ نعم يبدو لي أني أصبحت مثل القفازات الفارغة بدون أياد داخلها كما تقول يا الله .

ـ انتبهوا جميعا لما تقوله خطية ، ولينبه ملاك الفرصة الأخيرة أحد الملائكة الذين يمرون بالمشهد.أو شخص ما جواره يوقظه .ويقول له : إنها الآن

ـ واقصد الفتاة ـ صرحت أمامكم أنها خائفة من القوة التي تحملها.

ـ والله يا أخي لو سكت، ولم تحدث اللبس بكلامك السابق لربما قالت أنها تريد أن تعود حيث كانت لا حيثما أُريد لها أن تكون.

أنها تريد أن تترك ملاك الفرصة الأخيرة ليتخطفه مصيره المحتوم، وتنأي بنفسها كما أظن يا هذا.

لكن أين القوة المروعة التي كانت في حوزتها ؟ أين ذلك الحب الذي تحدثت عنه منذ قليل في وجود الرب ذاته ؟

يا أصدقاء.ليس من السهل واليسير التخلص من النور الملتهب المسمى مجازا الحب.

إنه كثيرٌ جدا كما تعلمون.ومن خلالها فقط . ـ فقط من خلال حب تلك الفتاة لملاك الفرصة الأخيرة ـ أصبح لوجودها ـ تلك الخطية ـ قيمة ومعني.

أصبح لاسمها معني ، وبوسعها ـ من خلال اسمها ـ أن تري وأن تشم ، بل أمكن لها أن تتكلم وتحكي وأن نستمع لها كما حدث منذ قليل.

الحب هو تلك القوي المد مرة والمروعة التي لا تُغفر أبدا ، وما قالته منذ قليل ، ولم يسمعه الملاك، سوف يكون له حساب عسير.

رغم أنني أعلم وأنتقد نفسي حين أقول:أنه في وجود الحب وفي وجوده فقط . الكبير ـ كملاكنا الطيب ـ يصير مثل الصبي.

السكران يصبح ثملا وحكيما .

السخيف يصبح غبيا من لا يضحك علي نكاته المروعة.

من الآخر.غير المؤمن بالحب كافر.فهو سفير المعجزات المخلص.

ولأجل ذلك قد عرفته جميع النساء منذ زمن بعيد ، أبعد من حكايتنا تلك . ومن أجل ذلك تستطيع ـ وحدها خطية ، أو جميع النساء أن تستنشق الرائحة النفاذة لما هو جديد في الدماء الساخنة عند الولادة.

تماما كما في الأجساد الباردة للموتى وهن يغسلن أجسادهن.

وكما بالفعل حدث مع خطية حين شمت رائحة ملاك الفرصة الأخيرة.

ولكل تلك المعارف ما إن عاد الملاك إلي جادة صوابه حتى ربتت الفتاة علي صدره وقالت له بصدق :

لقد حان وقت العمل . ، لقد قرأت في عمل اليوم المخصص لك من قبل الله أن هناك هاربا في جبل لبنان ينتظر بعض الجنيهات والليرات ليفك أسر أمه من زوجها. هيا بنا الآن إلي العمل وعندما يحين المساء ستعرف كل شئ خُفي عنك.وإلي أن يحين الأجل سوف أعمل معك.

سوف نطلق عليها خطية ملاك الفرصة الأخيرة.ولكن لنعرف أن أثمن شئ في روح تلك البنت ، التي ركبت منذ قليل علي جناح الملاك وتركا المشهد فارغا إلا من الطيور وبعض الملائكة الذين يروحون ويغدون، وذهبت به حيث جبل لبنان ـ هي الحدث، أو البديهية. والبديهية لمن لا يعرف هي أداة الغوص، أو البلورة التي تستطيع من خلالها أن تنفذ إلي الرؤية الروحية الخارقة. إنها أشبه ما تكون بالأمثال الشعبية التي تكشف جوهر الواقع.

لا .. هي ليست كذلك يا أخي.إنها الولاية الصالحة . هي ما تخبرنا حقيقة الأم بالتحديد.

لا أنت ولا هو يقول المعني صحيحا.المعني الصحيح أن الحدث أو البديهية هي ما تقول لنا أدخلوا إلي اليمين أو ادخلوا إلي اليسار. بسهولة ويسر حتى لا أطيل عليكم هي من تقول لنا ادخلوا هذا البيت بسهولة ويسر لكي نري ماذا هناك.أو لنعرف ما هو موجود لمعرفته.

ولهذا قالت له خطية ببديهية مخلوقة مع المرأة قبل أن تمتطي جناحه: علينا الذهاب الآن لنجدة المحتاجين والذين في انتظارك فالقائمة طويلة، ولسوف تمر اليوم علي مائتي ألف شخص أو يزيد، أنت فرصتهم الأخيرة للنجاة، حاول أن تركز في عملك فقط. لننس مأساتنا معا طيلة النهار، وفي المساء يكون الكلام طويلا بيننا.

أتم العمل الأول في سيمترية ودخل علي الثاني ، ثم الثالث ، لكنه أمسك بنفسه لم يعد يفرح بفرح الناجين، كما لم يعد ينتظر الفرح ـ ورغم أن الوضع يبدو غريبا بالنسبة للناجي أن يرى مع الملاك بنتا صدرها كأكواز الصنوبر، إلا أن أحدا لم يعلق علي ذلك، كما لم يشتك أحد، بل إن أحد الناجين كاد أن يلمس صدر الفتاة بعد أن أمسك بالكيس الأرجواني لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، أقول لكم أكثر، حين دخل الملاك بصحبة الفتاة علي الناجي السادس عشر تصور أن صاحبة الملاك هي حبيبته المتوفاة، وكان كل همه أن يضمها إليه، ورغم حاجته الشديدة وحاجة أسرته لما في الكيس إلا أنه كان علي استعداد تام للتنازل عنه بقبلة وحيدة علي شفاه الفتاة.

الغريب في الأمر يا أخواني أن الملاك لم ينتبه إلي كل حركات الناجي أو نظرات الذعر الواضحة في عيون خطية.بل الأغرب أن الملاك لم يعد يحس بها فوق جناحيه أثناء تجواله بين البلاد وبعضها للقيام بعمله في سيمترية شديدة. في الرحلة الأولي وأثناء ذهابه إلي الناجي في جبل لبنان كانت أقل حركة من يديها علي جناحه يكاد أن يتوقف ليسألها عن أحوالها، بل وكثير ما أبدى تخوفه عليها، لكنها طمأنته.

فاطمأن.

أطمأن حتى أنه نسى أنها معه.

حيث لا يجب أن تكون.

كما أن أحدا كما ذكرا لم يعلق علي تواجدها .

كما أن أحدا لم يعلن تضرره لمرآها علي جناح الملاك .

كما أن أحدا لم يبلغ الإله العالم العليم بذلك.

هناك تعليقان (2):

بنوتة مصرية يقول...

علي فكرة يا أستاذي
أنا تربيت علي كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
وكان نفسي أقرأ آخر شغلك
ما تكتب يستعصي علي التصنيف

بنوتة مصرية يقول...

الكبير سعيد نوح
وصلني إيميلك
وكم ممتنة لاهتمامك
كان نص روايتك الأولي كلما رأيت بنتا حلوة اقول يا سعاد ..هي بدايات تعاملي مع الابداع فقد درستها في الجامعة
لي محاولات سردية أو شعرية لا أعرف
أرجو أن تزورني في مدونتي لترى